انفعل محافظ كفر الشيخ على أحد الشباب فى معسكر بلطيم واحتد قائلاً: «أنتم شباب فرافير لا تحبون العمل والكفاح والجهاد مثل الأجيال السابقة!»، اتهمه المحافظ بالكذب حين اشتكى الشاب من نقص المرافق والخدمات بقرى شباب الخريجين، وكأن الشاب نطق كفراً يستحق عليه لقب الفرفور، وكأن قرى الخريجين بمحافظة كفر الشيخ هى فردوس الله على الأرض لا يمسها السوء، ولكن هل شبابنا فعلاً شباب فرافير؟

بداية معرفتى بكلمة الفرافير كانت فى مسرحية يوسف إدريس البديعة التى تحمل هذا الاسم، والتى أثارت جدلاً عند عرضها من ناحية المضمون والشكل، حيث أخرجها كرم مطاوع بأسلوب جديد اعتمد على مسرح الفرجة ومشاركة الجمهور، المهم أن مسرحية الفرافير ناقشت قضية غاية فى العمق والأهمية والحساسية، وهى قضية العلاقة بين السيد والعبد، أو السلطة القاهرة الغاشمة والفرفور الذى لا يملك إلا ذكاء وحدس الغلابة المقهورين، أدى توفيق الدقن دور السيد وجسد عبدالسلام محمد دور الفرفور،

كان كرم مطاوع موفقاً فى اختيار عبدالسلام محمد لهذا الدور، الذى أداه ببراعة وكأنه خلق لهذا الدور فقط، هذا النحيف الممصوص الذى يريده السيد خادماً على الدوام وأحياناً يخلط السيد رغبته ببهارات سياسية ودينية من نوعية ظل الله على الأرض والقدر هو الذى اختار والنصيب عايز كده.

هذا هو مفهوم الفرفور الذى فهمته من مسرحية يوسف إدريس، أما الفرفور الذى يقصده المحافظ فيندرج تحت بند السخرية وأحياناً السب العلنى، فهو وصف كوكتيل من المياصة والتخنث والمياعة واللامؤاخذة.. إلخ، وهو وصف أرفضه وأدينه وأندهش من أن يتلفظ به محافظ أمام جمع من الشباب والمسؤولين وفى حضور رئيس المجلس القومى للشباب الذى لم أسمع منه دفاعاً عن الشباب المسؤول عنهم، وأعتقد أنه لو كان موافقاً على هذا الوصف فلابد من أن يستقيل لأنه لا يصح أن يظل على كرسيه رئيساً للمجلس القومى للفرافير !!

شبابنا مطحون بين شقى الرحا، البطالة والفقر، يموت غرقاً من أجل حلم الهجرة من وطن يدهسه ولا يحترم آدميته، الشباب الذى تتهمه بالفرفرة يا سيادة المحافظ يحاول النفاذ من ثقب الإبرة ويتمنى العيش بالحلال حتى ولو باع «أقلام جاف وحجارة قلم» فى الأوتوبيسات، هناك شباب زى الفل يصمم مواقع على الإنترنت ويعمل فى الهاى تك، هناك شباب جميل يحاول الإفلات من سجن المحسوبية والواسطة ويزرع أرضاً ويفلحها،

ولكن جيل الشيوخ من غير الفرافير يحبطه ويغتال أحلامه بالروتين والفساد والاضطهاد والرشوة، هناك شباب رضى بالستين متراً ليسكن فيها ويبدأ تحقيق حلمه بالزواج بعد الأربعين وهو على أعتاب الخريف فتفاجئه العقبات والعراقيل من المسؤولين غير الفرفوريين والتى تقوده إلى الانتحار شنقاً على أحد الكبارى العلوية أو الموت غرقاً فى قارب متهالك على أحد الشواطئ الصخرية التى تشبه تضاريس قسوتها قسوة قلوب أهل السياسة المصرية.

شبابنا يحلم بأن يعيش مجرد عيشة آدمية، ينحت فى الصخر ويدفع فاتورة فشل جيل سابق شاخ فى مكاتبه المكيفة وعلى كراسيه الوثيرة وسلمهم البلد خرابة، شبابنا من فرافير يوسف إدريس وليسوا من فرافير المحافظ، شبابنا ليس مطلوباً منه أن يسدد كمبيالات خزى وعار وفساد، مطلوب منه أن يبنى وطناً مختلفاً حتى ولو كانت لغته الرسمية لغة الروشنة!